آسيا في عين الناتو: حليف مهم لحماية الأمن العالمي في مواجهة الصين

لندن - تبنى حلف شمال الأطلسي "الناتو" مفهوما استراتيجيا جديدا شمل، لأول مرة، إشارة مباشرة إلى الصين، باعتبار أنها تشكل تحدّيا لمصالح دوله الأعضاء وأمنها في خارطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها خلال قمته في مدريد، والتي شهدت سابقة أخرى تتمثل في مشاركة أستراليا ونيوزيلندا واليابان وكوريا الجنوبية.
ورأى الحلف أن "طموحات الصين المعلنة وسياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا"، مدينا "الشراكة الاستراتيجية العميقة" بين بكين وموسكو "ومحاولاتهما المتبادلة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد".
وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ "الصين ليست خصما لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار العواقب على أمننا عندما نرى أنها تستثمر بكثافة في معدات عسكرية جديدة" ومحاولة "السيطرة على بنى تحتية أساسية مثل شبكات الجيل الخامس (5 جي)".
وأشار الباحث بيل هايتون الزميل بمعهد تشاتام هاوس والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية في تقرير نشره المعهد، إلى أن هذين التغييرين لا يعنيان أن الحلف يهدف إلى التوسع ليشمل آسيا، لكنهما يظهران أن الدول الثلاثين الأعضاء في الناتو تشعر بالقلق بشأن اتساع التهديدات الأمنية من آسيا نحو أوروبا وأميركا الشمالية.

وفي عالم، توجد به صواريخ طويلة المدى وعمليات إلكترونية وسلاسل إمداد معرضة للخطر، فإن مخاوف الدول "الأوروبية الأطلسية" أصبحت مخاوف عالمية.
وقد بدأ اهتمام حلف الناتو بآسيا قبل أكثر من 20 عاما في أعقاب هجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في عام 2001. فقد شاركت أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية بقوات في مهمة "إيساف" بقيادة الناتو في أفغانستان، بينما قدمت قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية دعما لوجستيا من الخارج.
ومنذ عام 2009، شاركت أستراليا ونيوزيلندا أيضا بسفن في مهمة مكافحة القرصنة التي كان الناتو يقودها قبالة سواحل شرق أفريقيا. ولم تساهم اليابان وكوريا الجنوبية بشكل رسمي في نفس المهمة، إلا أنهما نشرتا سفنا بالتوازي معها.
واعتبر هايتون زميل برنامج آسيا والمحيط الهادئ في معهد تشاتام هاوس أن هذا النمو في التعاون العملي أصبح له طابع مؤسسي في ديسمبر 2016 عندما عقد الناتو أول اجتماع رسمي له مع أربعة شركاء من منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مقر الحلف في بروكسل. وردا على سؤال عن سبب عقد الاجتماع، قال مسؤول بحلف الناتو "لأنهم طلبوا ذلك".
وقال إن الرغبة في إقامة علاقات أمنية أقوى بين منطقة شمال الأطلسي ودول آسيا والمحيط الهادئ تأتي من الجانبين. وهناك حافز رئيسي وهو شبه الجزيرة الكورية والخطر الذي تشكله على الأمن الإقليمي الأوسع. وكان البيان الرسمي لاجتماع عام 2016 قد "أدان بشدة" استمرار تطوير كوريا الشمالية للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية.
ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت الدول الأعضاء في الناتو أكثر قلقا إزاء المخاطر القادمة من الصين. وفي كلمة في أكتوبر 2020، حذر الأمين العام لحلف الناتو من أن الصين تؤكد ثقلها الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري، قائلا "لقد شهدنا مستويات جديدة من الهجمات الإلكترونية المعقدة". كما تحدث أيضا عن الحاجة إلى تجنب "استيراد أو قبول نقاط الضعف إلى البنية التحتية الحيوية والصناعات وسلاسل الإمداد الخاصة بنا".
ورأى هايتون أن دول الناتو مثل الدول الأخرى، تحاول إيجاد توازن في العلاقات مع الصين حيث أنها شريك تجاري ضخم وقائد عالمي في التكنولوجيات الجديدة، لكنها أيضا تمتلك ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم وحاولت فرض إرادتها على بعض الأعضاء في الناتو في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أن ستولتنبرغ كان رئيس وزراء النرويج في عام 2010 عندما فرضت الصين عقوبات على النرويج بعد منح جائزة نوبل للسلام إلى المنشق الصيني ليو شياباو. وفي عام 2021 استهدفت الصين ليتوانيا في نزاع بشأن تايوان، وهو ما زاد من مخاوف أعضاء الناتو بشأن تزايد الإنفاق العسكري للصين ونفوذها الاستراتيجي.

ويقول ستولتنبرغ إن الصين "تستثمر بكثافة" في القدرات العسكرية الحديثة، بما في ذلك الصواريخ التي تستطيع الوصول إلى كل دول الناتو، وكذلك "الاقتراب" في الفضاء الإلكتروني. وقال "نحن نراهم في القطب الشمالي وفي أفريقيا. نراهم يستثمرون في بنيتنا التحتية الحيوية. وهم يعملون بتعاون متزايد مع روسيا. وكل هذا له تداعيات أمنية على أعضاء حلف الناتو".
وقد تفاقمت هذه المخاوف خلال أزمة جائحة فايروس كورونا عندما تسبب قرار الحكومة الصينية في إعادة توجيه سلاسل الإمداد الطبية وغيرها التي كانت الاقتصادات والمجتمعات الأوروبية تعتمد عليها في قلق عميق بين دول الناتو، وزادت المخاوف القائمة بالفعل من التجسس والقرصنة وشراء الشركات الاستراتيجية.
وقال هايتون إنه على الرغم من أن دول الناتو لا تنظر للصين بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى روسيا، فإن توقيع بكين على اتفاقية شراكة "بلا حدود" مع موسكو في فبراير، كان بمثابة تدخل مرفوض في الأمن الأوروبي، مثل الوثيقة التي طلبت فيها الصين من الناتو عدم ضم أعضاء جدد.
وأشار إلى أنه على الرغم من هذه المخاوف، فإن أعضاء الناتو لن يدعوا إلى قطع العلاقات مع الصين. فقد أعلن ستولتنبرغ أن نهضة الصين “تقدم فرصا” خاصة لاقتصادات وتجارة الدول الأعضاء في الحلف. وقال إنه أمر مهم أن يتم الاستمرار في التعامل مع الصين وهي "ليست خصما للناتو".
واختتم هايتون تقريره بالقول إن المعاهدة التأسيسية لحلف الناتو قصرت دوره على "منطقة شمال الأطلسي" لذلك فهو لن يسمح بدخول أي أعضاء من آسيا أو تحمل أي التزامات للدفاع عن دول آسيوية، ولكن الخطوات الأخيرة تظهر أن الدول الأعضاء ترى أن هناك حاجة للعمل مع ديمقراطيات تتمتع بنفس العقلية في آسيا لتعزيز النظام الدولي في مواجهة التحديات المستقبلية من الصين وكوريا الشمالية.